يعد سوق دُومة الجندل أول أسواق العرب في الجاهلية والإسلام من حيث التوقيت الزمني له, حيث كان يعقد منذ أول أيام شهر ربيع الأول من كل سنة, ويستمر حتى منتصف الشهر. (1)
وربما استمر سوق دُومة الجندل حتى نهاية شهر ربيع الأول إذا لم تنته بيوعه خلال نصفه الأول. (2)
وتجتمع في سوق دُومة الجندل قبائل عدة أشهرها: (بنو كلب, كندة, جديلة طيء, غسان, تميم) فتبيع هذه القبائل وتشتري فيه طوال الموسم.(3)
وتشير المصادر التي اطلعت عليها إلى أن السيطرة على سوق دُومة الجندل تختلف من موسم لآخر, فقد يكون المسيطر على السوق هو حاكم دومة الجندل (الأكيدر الكندي)، وبذلك تكون كندة هي القائمة على السوق فتبيع ما تريد من بضائعها وتشتري ما تريد من بضائع السوق قبل الآخرين, ولها حق العشر من دخل ذلك الموسموحق التدخل في تحديد الأسعار .(4)
وقد يكون المسيطر على السوق قبيلة بنو كلب أو غسان أو طيء, فأيما قبيلة منها غلبت على السوق, فإن ذلك يعد ترشيحاً لقنافة الكلبي ليكون هو سيد ذلك الموسم,(5) وذلك بعدما يخرج الأكيدر ومن معه من حاشيته من دُومة الجندل نحو الحيرة تاركاً لبني كلب حرية التصرف في السوق والحصول على جميع الامتيازات فيه.(6)
وطريقة ذلك: أن تجتمع جميع قبائل المنطقة قبل انعقاد السوق بيوم أو في أول يوم له, ويتقابل الأكيدر السكوني وقنافة الكلبي فيتحاجيا فأيهما غلب تكون له سيادة ذلك الموسم, ويرحل المغلوب خارج دومة الجندل.(7)
وطريقة البيع في سوق دُومة الجندل تكون على بيع الحصاة (بإلقاء الحجارة),(8) وهي من بيوع الجاهلية التي أبطلها الإسلام فيما بعد, وكيفيتها: أن يقول أحد المتبايعين للآخر: نلقي هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بدرهم, أو أن يقبض في كفه حصىً فيقول:لك من السلع بعدد ما في يدي من الحصى,أو أشتريها بعدد ما في يدي من الحصى درهماً,أو إذا كانت السلعة أرضاً فيقول البائع للمشتري: لك منها إلى ما تنتهي إليه رمية هذه الحصاة بعدد كذا من الدراهم.(9)
وكانت قبيلة بنو كلب تُحضر عبيدها إلى السوق وتبني لهم بيوتاً من الشعر داخل السوق ليبيعوا لهم بضائعهم خلال الموسم.(10)
ولم تكن تجارة ولا تُجار ذلك السوق محصورة على أهل دومة الجندل, بل كانت تأتيه مختلف القبائل من الشام والعراق والحجاز واليمن, حيث كان التجار يجعلون لهم خفارات على طريقهم إلى سوق دُومة الجندل.(11)
ولعل موقع دومة الجندل الاستراتيجي هو الذي أهلها لأن تكون ملتقىً للطرق التجارية ووسيطاً بين تلك البقاع.(12)
وكانت أهم بضائع سوق دومة الجندل: (زيت الزيتون، السمن، المن،(13) البخور،(14) التمر، الزبيب، القمح، الشعير، الأقمشة والغزل،(15) الماشية والخيل والإبل).(16)
أتمنى أن يكون في هذه المقتطفات الموجزة تأصيلاً تاريخياً لسوق دُومة الجندل في منطقة الجوف، وأن يجد هذا الموضوع اهتماما خاصاً من الباحثين والباحثات وأن يتبنى النادي الأدبي في منطقة الجوف دراسة مستقلة بهذا الخصوص.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[COLOR=#1A1A02]
(1) ابن حبيب (ت 245هـ): كتاب المحبر, ص263؛ المرزوقي ( ت 421 هـ): الأزمنة والأمكنة, ج2, ص152.
(2) القلقشندي ( ت 821 هـ): صبح الأعشى في صناعة الإنشا, ج1, ص468.
(3) المرزوقي (ت 421 هـ): الأزمنة والأمكنة, ج1, ص152.
(4) القلقشندي (ت 821 هـ): صبح الأعشى في صناعة الإنشا, ج1, ص468.
(5) المرزوقي ( ت 421 هـ): الأزمنة والأمكنة, ج2, ص152.
(6) القلقشندي ( ت 821 هـ): صبح الأعشى في صناعة الإنشا, ج1, ص468.
(7) ابن حبيب ( ت 245هـ): كتاب المحبر, ص264.
(8) ابن حبيب (ت 245 هـ): كتاب المحبر, ص264 ؛ المرزوقي (ت 421 هـ): الأزمنة والأمكنة, ج2, ص152؛ الأفغاني: أسواق العرب في الجاهلية والإسلام، ص46، 236.
(9) الألوسي (ت 1270هـ): بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب, ج1, ص264.
(10) ابن حبيب (ت 245 هـ): كتاب المحبر, ص264.
(11) المرزوقي (ت 421 هـ): الأزمنة والأمكنة, ج2, ص153؛ الأفغاني: أسواق العرب في الجاهلية والإسلام، ص238-239.
(12) ابن الأثير (ت630 هـ): الكامل في التاريخ, ج2, ص615.
(13) ابن الأثير (ت 630 هـ): الكامل في التاريخ، ج1، ص459؛ الخطراوي: المدينة في العصر الجاهلي...، ص125.
(14) الأنصاري: لمحات عن بعض المدن القديمة...، ص77.
(15) البلاذري (ت 279 هـ): فتوح البلدان، ص72.
(16) الواقدي (ت 207 هـ): كتاب المغازي، ج1، ص403؛ ابن سعد (ت 230 هـ): الطبقات الكبرى، ج2، ص48؛ الأفغاني: أسواق العرب في الجاهلية والإسلام، ص195.
[/COLOR]
التعليقات 3
26/05/2013 في 5:33 م[3] رابط التعليق
الله يوفقك يابو هاني
ونتظر المزيد مـ๓aหن كتابتك
27/05/2013 في 12:44 م[3] رابط التعليق
معلومات قيمه ومصادر رائعه تشكر عليها
لك من ومن اهل الشمال الشكر والعرفان
ابومحمد البلوي
25/07/2013 في 2:46 ص[3] رابط التعليق
تقرير رائع ومختصر